ومن الأخبار التاريخية التي تفرد القرآن الكريم بذكرها، وجاء العلم الحديث ليكتشف أن ما قاله القرآن الكريم صحيحًا، هو مصير فرعون مصر الذي طارد موسى عليه السلام حتى دخل ورائه ماء البحر وكان مصيره الغرق، ومما يعلمه كل أحد فإن الذي يموت غرقًا يتحلل جسمه وتختفى ملامحه، غير أن القرآن الكريم أكد أن الله عز وجل أنجى بدن فرعون ليكون آية لمن خلفه، قال تعالي: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس:92].
وجاء الدكتور الفرنسي موريس بوكاي في كتابه القرآن والعلم الحديث ليؤكد تطابق ما ورد في القرآن الكريم بشأن مصير فرعون موسى بعد إغراقه في اليم مع الواقع المتمثل في وجود جثته إلى يومنا هذا آيةً للعالمين؛ يقول الدكتور بوكاي - الذي كانت هذه الآية وأخواتها سببًا في إسلامه- : "إن رواية التوراة بشأن خروج اليهود مع موسى عليه السلام من مصر تؤيد بقوة الفرضية القائلة بأن منفتاح Mineptah خليفة رمسيس الثاني هو فرعون مصر في زمن موسى عليه السلام، وإن الدراسة الطبية لمومياء منفتاحMineptah قدمت لنا معلومات مفيدة أخرى بشأن الأسباب المحتملة لوفاة هذا الفرعون.
إن التوراة تذكر أن الجثة ابتلعها البحر ولكنها لا تعطي تفصيلاً بشأن ما حدث لها لاحقاً، أما القرآن فيذكر أن جثة الفرعون الملعون سوف تنقذ من الماء كما جاء في الآية السابقة، وقد أظهر الفحص الطبي لهذه المومياء أن الجثة لم تظل في الماء مدة طويلة، إذ أنها لم تظهر أية علامات للتلف التام بسبب المكوث الطويل في الماء".
ويزيد موريس بوكاي الأمر تفصيلاً، فيقول: "وجاءت نتائج التحقيقات الطبية لتدعم الفرضية السابقة، ففي عام 1975 جرى في القاهرة انتزاع خزعة صغيرة من النسيج العضلي، بفضل المساعدة القيمة التي أسداها الأستاذ Michfl Durigon.
وأظهر الفحص الدقيق بالميكروسكوب حالة الحفظ التامة لأصغر الأجزاء التشريحية للعضلات، وتشير إلى أن مثل هذا الحفظ التام لم يكون ممكناً لو أن الجسد بقي في الماء بعض الوقت، أو حتى لو أن البقاء خارج الماء كان طويلاً قبل أن يخضع لأولى عمليات التحنيط.
وفعلنا أكثر من ذلك و نحن مهتمون بالبحث عن الأسباب الممكنة لموت فرعون وأكدت دراسات الطب الشرعي للمومياء وجود سبب لموت سريع كل السرعة بفعل كدمات جمجمية ـ مخية سببت فجوة ذات حجم كبير في مستوى صاقورة القحف مترافقة مع آفة رضية، و يتضح أن كل هذه التحقيقات متوافقة مع قصص الكتب المقدسة التي تشير إلى أن فرعون مات حين ارتد عليه الموج).
ووفقًا لروايات التوراة فإن جثة الفرعون التي غرقت في مياه البحر يجب أن تكون قد تحللت، غير أن العلم الحديث أثبت أن جثة فرعون ظلت باقية وتم حفظها وهو ما ذكره القرآن الكريم منذ 14 قرنًا قبل أن يصل العلم إلى ما يملك من أدوات اليوم، يقول الدكتور بوكاي: "وفي العصر الذي وصل فيه القرآن للناس عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم، كانت جثث كل الفراعنة الذين شك الناس في العصر الحديث صواباً أو خطاً أن لهم علاقة بالخروج، كانت مدفونة بمقابر وادي الملوك بطيبة على الضفة الأخرى للنيل أمام مدينة الأقصر الحالية.
في عصر محمد صلى الله عليه وسلم كان كل شيء مجهولاً عن هذا الأمر ولم تكتشف هذه الجثث إلا في نهاية القرن التاسع عشر، وبالتالي فإن جثة فرعون موسى التي مازالت ماثلة للعيان إلى اليوم تعد شهادة مادية في جسد محنط لشخص عرف موسى عليه السلام، وعارض طلباته، وطارده في هروبه ومات في أثناء تلك المطاردة، وأنقذ الله جثته من التلف التام ليصبح آية للناس كما ذكر القرآن الكريم.
إن هذه المعلومة التاريخية عن مصير جثة فرعون لم تكن في حيازة أحد من البشر عند نزول القرآن ولا بعد نزوله بقرون عديدة، لكنها بينت في كتاب الله على قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام.
هذان مثالان تاريخيان أثبتهما العلم الحديث بعد أن ذكرهما الله عزوجل في كتابه العزيز قبل أربعة عشر قرنًا في دليل واضح على صحة نبوة خاتم النبيين وخير البرية محمد صلى الله عليه وسلم