السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير الجلالين لسورة البقرة من الاية 26 الى 30
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
"إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِب" يَجْعَل "مَثَلًا" مَفْعُول أَوَّل "مَا" نَكِرَة مَوْصُوفَة بِمَا بَعْدهَا مَفْعُول ثَانٍ أَيّ مَثَل كَانَ أَوْ زَائِدَة لِتَأْكِيدِ الْخِسَّة فَمَا بَعْدهَا الْمَفْعُول الثَّانِي "بَعُوضَة" مُفْرَد الْبَعُوض وَهُوَ صِغَار الْبَقّ "فَمَا فَوْقهَا" أَيْ أَكْبَر مِنْهَا أَيْ لَا يَتْرُك بَيَانه لِمَا فِيهِ مِنْ الْحُكْم "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ" أَيْ الْمَثَل "الْحَقّ" الثَّابِت الْوَاقِع مَوْقِعه "مِنْ رَبّهمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا" تَمْيِيز أَيْ بِهَذَا الْمَثَل وَمَا اسْتِفْهَام إنْكَار مُبْتَدَأ وَذَا بِمَعْنَى الَّذِي بِصِلَتِهِ خَبَره أَيْ : أَيّ فَائِدَة فِيهِ قَالَ تَعَالَى فِي جَوَابهمْ "يُضِلّ بِهِ" أَيْ بِهَذَا الْمَثَل "كَثِيرًا" عَنْ الْحَقّ لِكُفْرِهِمْ بِهِ "وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا" مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِتَصْدِيقِهِمْ بِهِ "وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ" الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَته
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
"الَّذِينَ" نَعْتَ "يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه" مَا عَهِدَهُ إلَيْهِمْ فِي الْكُتُب مِنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مِنْ بَعْد مِيثَاقه" تَوْكِيده عَلَيْهِمْ "وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَل" مِنْ الْإِيمَان بِالنَّبِيِّ وَالرَّحِم وَغَيْر ذَلِكَ وَأَنْ بَدَل مِنْ ضَمِير بِهِ "وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض" بِالْمَعَاصِي وَالتَّعْوِيق عَنْ الْإِيمَان "أُولَئِكَ" الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ "هُمْ الْخَاسِرُونَ" لِمَصِيرِهِمْ إلَى النَّار الْمُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
"كَيْفَ تَكْفُرُونَ" يَا أَهْل مَكَّة "بِاَللَّهِ" وَقَدْ "كُنْتُمْ أَمْوَاتًا" نُطَفًا فِي الْأَصْلَاب "فَأَحْيَاكُمْ" فِي الْأَرْحَام وَالدُّنْيَا بِنَفْخِ الرُّوح فِيكُمْ وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّعْجِيبِ مِنْ كُفْرهمْ مَعَ قِيَام الْبُرْهَان أَوْ لِلتَّوْبِيخِ "ثُمَّ يُمِيتكُمْ" عِنْد انْتِهَاء آجَالكُمْ "ثُمَّ يُحْيِيكُمْ" بِالْبَعْثِ "ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ" تُرَدُّونَ بَعْد الْبَعْث فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ وَقَالَ دَلِيلًا عَلَى الْبَعْث لِمَا أَنْكَرُوهُ
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض" أَيْ الْأَرْض وَمَا فِيهَا "جَمِيعًا" لِتَنْتَفِعُوا بِهِ وَتَعْتَبِرُوا "ثُمَّ اسْتَوَى" بَعْد خَلْق الْأَرْض أَيْ قَصَدَ "إلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ" الضَّمِير يَرْجِع إلَى السَّمَاء لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْجُمْلَة الْآيِلَة إلَيْهِ : أَيْ صَيَّرَهَا كَمَا فِي آيَة أُخْرَى ( فَقَضَاهُنَّ "سَبْع سَمَاوَات وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم" مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ أَنَّ الْقَادِر عَلَى خَلْق ذَلِك ابْتِدَاء وَهُوَ أَعْظَم مِنْكُمْ قَادِر عَلَى إعَادَتكُمْ
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد إذْ " قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة" يَخْلُفنِي فِي تَنْفِيذ أَحْكَامِي فِيهَا وَهُوَ آدَم "قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا" بِالْمَعَاصِي "وَيَسْفِك الدِّمَاء" يُرِيقهَا بِالْقَتْلِ كَمَا فَعَلَ بَنُو الْجَانّ وَكَانُوا فِيهَا فَلَمَّا أَفْسَدُوا أَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة فَطَرَدُوهُمْ إلَى الْجَزَائِر وَالْجِبَال "وَنَحْنُ نُسَبِّح" مُتَلَبِّسِينَ "بِحَمْدِك" أَيْ نَقُول سُبْحَان اللَّه "وَنُقَدِّس لَك" نُنَزِّهك عَمَّا لَا يَلِيق بِك فَاللَّام زَائِدَة وَالْجُمْلَة حَال أَيْ فَنَحْنُ أَحَقّ بِالِاسْتِخْلَافِ قَالَ تَعَالَى "إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ" مِنْ الْمَصْلَحَة فِي اسْتِخْلَاف آدَم وَأَنَّ ذُرِّيَّته فِيهِمْ الْمُطِيع وَالْعَاصِي فَيَظْهَر الْعَدْل بَيْنهمْ فَقَالُوا لَنْ يَخْلُق رَبّنَا خَلْقًا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنَّا وَلَا أَعْلَم لِسَبْقِنَا لَهُ وَرُؤْيَتنَا مَا لَمْ يَرَهُ فَخَلَقَ اللَّه تَعَالَى آدَم مِنْ أَدِيم الْأَرْض أَيْ وَجْههَا بِأَنْ قَبَضَ مِنْهَا قَبْضَة مِنْ جَمِيع أَلْوَانهَا وَعُجِنَتْ بِالْمِيَاهِ الْمُخْتَلِفَة وَسَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوح فَصَارَ حَيَوَانًا حَسَّاسًا بَعْد أَنْ كَانَ جَمَادً ا
كل عام و انتم بخير
رمضان كريم