زكاة الفطر
الحمد لله واسع الفضل والإحسان، مضاعف الحسنات لذوي الإيمان والإحسان وأصلي وأسلم على رسوله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
اعلموا معشر الصائمين أن الله قد شرع لكم في ختام شهركم زكاة الفطر، وهي واجبة على الكبير والصغير والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين، قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد، والحر، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير من المسلمين " متفق عليه.
ولا تجب على الحمل الذي في البطن إلا أن يتطوع به فلا بأس، فقد كان أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يخرجها عن الحمل، ويجب إخراجها عن نفسه، وكذلك عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم؛ لأنهم المخاطبون بها أصلاً، ولا تجب إلا على من وجدها زائدة عما يحتاجه من نفقه يوم العيد وليلته فإن لم يجد إلا أقل من صاع أخر إخراجه لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: 16).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " متفق عليه.
ومن حكمتها الإحسان إلى الفقراء وكفهم عن السؤال في أيام العيد ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم ويكون عيداً للجميع.
وفيها الاتصاف بخلق الكرم وحب المواساة وفيها تطهير الصائم مما يحصل في صيامه، من نقص ولغو وإثم وفيها إظهار شكر نعمة الله بإتمام شهر رمضان وقيامه وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه.
وأما جنس الواجب في زكاة الفطر فهو طعام الآدميين من تمر أو بر أو أرز أو زبيب أو أقط أو غيرها من طعام بني آدم.
ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير " وكان الشعير يومذاك من طعامهم كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: " كنا نخرج يوم الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر " رواه البخاري.
فلا يجزئ إخراج طعام البهائم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها طعمة للمساكين لا للبهائم.
ولا يجزئ إخراج قيمة الطعام؛ لأن ذلك خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم، ومعنى رد: مردود ولأن إخراج القيمة مخالف لعمل الصحابة رضي الله عنهم حيث كانوا يخرجونها صاعاً من طعام.
ووقت وجوب الفطرة غروب الشمس ليلة العيد فمن كان من أهل الوجوب حينذاك وجبت عليه وإلا فلا، وعلى هذا فإذا مات قبل الغروب ولو بدقائق لم تجب الفطرة، وإن مات بعد الغروب ولو بدقائق وجب إخراج فطرته، ولو ولد شخص بعد الغروب ولو بدقائق وجب إخراج فطرته، ولكن لا بأس بإخراجها كما سبق، وإن ولد قبل الغروب ولو بدقائق وجب إخراج الفطرة عنه.
وأما زمن دفعها فله وقتان: وقت فضيلة ووقت جواز.
وأما وقت الفضيلة: فهو صباح العيد قبل الصلاة لما في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " كنا نخرج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعاً من طعام " وفيه أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة. رواه مسلم وغيره، ولذلك كان من الأفضل تأخير صلاة العيد يوم الفطر ليتسع الوقت لإخراج زكاة الفطر.
وأما وقت الجواز: فهو قبل العيد بيوم أو يومين. ففي صحيح البخاري عن نافع قال: كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير حتى إن كان يعطي عن بني وكان يعطيها الذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين.
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد فإن أخرها عن صلاة العيد بلا عذر لم تقبل منه؛ لأنه خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
وأما مكان دفعها: فتدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج سواء كان محل إقامته أو غيره من بلاد المسلمين لا سيما إن كان مكاناً فاضلاً كمكة والمدينة أو فقراؤه أشد حاجة فإن كان في بلد ليس فيه من يدفع إليه أو كان لا يعرف المستحقين فيه وكل من يدفعها عنه في مكان فيه مستحق.
ويجوز توزيع الفطرة على أكثر من فقير ويجوز دفع عدد من الفطر إلى مسكين واحد؛ لأن النبي صلى الله وسلم قدر الواجب ولم يقدر من يدفع إليه.
وعلى هذا لو جمع جماعة فطرهم في وعاء واحد بعد كيلها وصاروا يدفعون منه بلا كيل ثان أجزأهم ذلك، لكن ينبغي إخبار الفقير بأنهم لا يعلمون مقدار ما يدفعون إليه لئلا يغتر به فيدفعه عن نفسه وهو لا يدري عن كيله.
ويجوز للفقير إذا أخذ الفطرة من شخص أن يدفعها عن نفسه أو أحد من عائلته إذا كالها أو أخبره دافعها أنها كاملة ووثق بقوله.
نسأل الله الكريم أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
وقد بحثت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية مقدار الصاع بالكيلو جرام وكان بحثها معتمدا على أن صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد ، وأن المد ملء كفي الرجل المعتدل ، وكان منها تحقيق عن مقدار ملء كفي الرجل المعتدل ، وتوصل هذا التحقيق إلى أن مقدار ذلك قرابة 650 جراما للمد ، فيكون مقدار الصاع 2600 جرام . وفيما يؤيد ما اتجه إليه مجلس هيئة كبار العلماء في تقدير الصاع ما ذكره الدكتور محمد الخاروف أن المقريزي ذكر عن الشيخ العزفي ما نصه: " جربنا هذا المد المعتمد بالحفنات والأكف المختلفات فوجدناه بالكفين العريضين تزيد عليه ، ووجدناه بالكفين الرقيقين المتوسطين كفوا ل