الدعاء توجه من العبد الى ربه , طلبا للرحمة , ورغبة في العون والتوفيق في شؤون الدنيا والآخرة ذلك لأن الله بيده الأمر كله يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد وهو على كل شيء قدير قال الخطابي: معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ. وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه وقال ابن منظور: هو الرغبة إلى الله عز وجل يقول تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أُجيبُ دعوة الداع إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) البقرة /186( وقالَ ربُكُم ادعُوني استجب لكم إنّ الذينَ يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنَّم داخرين ) غافر /60ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : الدعاء هو العبادة ) ويقول : ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه ) رواه الترمذي .ويقول : لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ، ارحمني إن شئت ، ارزقني إن شئت ، وليعزم مسألته ، إنه يفعل ما يشاء لا مكره له ) ، وقوله : يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول دعوت فلم يستجب لي ) رواه البخاري .ورد الدعاء في القرآن الكريم على وجوه، منها:
العبادة، كما في قوله تعالى: وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ الكهف:28، وقوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ )أعراف:194 والطلب والسؤال من الله سبحانه، كما في قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) البقرة:186 وقوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ( غافر:60 و الاستغاثة، كما في قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ بَلْ إِيَّـٰاه تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) الأنعام:40- قوله تعالى: وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ(البقرة:23و النداء، كما في قوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ(الإسراء:52، وقوله تعالى: {إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) القصص:25و توحيد الله وتمجيده والثناء عليه، كما في قوله تعالى: قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ)الإسراء:110و الحثّ على الشيء، كما في قوله تعالى: قَالَ رَبّ ٱلسّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ(يوسف:33، وقوله تعالى : وَٱللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ) يونس:25و رفعة القدر، كما في قوله تعالى: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِى ٱلآخِرَةِ) غافر:43 و القول، كما في قوله تعالى: فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُم بَأْسُنَا إِلا أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ) الأعراف:5 وسؤال الاستفهام، كما في قوله تعالى:ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِىَ) البقرة:68والتسمية، كما في قوله تعالى: لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً)النور:63 وقوله تعالى: قلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ)الإسراء:110 قال ابن القيم: ليس المراد مجرد التسمية الخالية عن العبادة والطلب، بل التسمية الواقعة في دعاء الثناء والطلب، فعلى هذا المعنى يصح أن يكون في تَدْعُواْ معنى (تُسَمُّوا) فتأمله، والمعنى: أيا ما تسمّوا في ثنائكم ودعائكم وسؤالكم.وقيل: ورد بمعنى العذاب، كما في قوله تعالى: تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ(المعارج:17 قال المبرد: “تدعو أي: تعذِّب”، وقال غيره: تناديهم واحدا واحدا بأسمائهم وغالبا ما يدعوا الناس الله في البلاء وهذا تعبر عنه الايات في سورة يونس (وإذا مسَّ الاِنسانَ الضُرُّ دعانا لجنبِهِ أو قاعِداً أو قائماً فلمّا كشفنا عنه ضُرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسّهُ ) آية / 12 وفي سورة الروم ( وإذا مسَّ النَّاس ضُرٌّ دعوا ربَهُم مُنيبين إليه ثم إذا أذاقهُم منهُ رحمةً إذا فريقٌ منهم بربهم يُشركون ) 33 والاسراء ( وإذا مسَكُم الضُرُّ في البحر ضلَّ من تدعُونَ إلاّ إياهُ فلمّا نجَّاكم إلى البرِّ أعرضتُم وكان الاِنسانُ كفوراً ) 67
والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وكلّها تدلُّ على أنّ التوجه إلى الله تعالى في حال الشدة والاضطرار أصيل في فطرة الاِنسان وطبيعي في وجوده . ، فحتى أشقى الاَشقياء نجده عند الابتلاء بالمصائب والمحن ، وعندما توصد في وجهه الاَبواب ، وتنقطع به العلل والاَسباب ، يفزع إلى خالقه وينقطع إليه ضارعاً منكسراً ، وهذا أمر ذاتي يتساوى فيه الناس مهما كانت اتجاهاتهم وميولهمأما الدعاء في الرخاء يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء ) الترمذي والحاكم لأن الرخاء يشعرنا بنعمة الله علينا وان النعم لا تدوم الا بفضل من الله ورحمة فهو في كل الاحوال يجب أن يكون مع الله ولهذا نجد أنّ الاَنبياء والاَوصياء والصالحين يتوجهون إلى ربهم بنفس متسامية مشرقة حتى عندما يكونون في رخاء وبحبوحة عيش ، يدعو ربهم ويتوسلون به ليديم عليهم نعمته ويزيدهم من فضله : ( وزكريا إذ نادى ربهُ ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خيرُ الوارثينَ فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا لهُ زوجهُ إنهم كانوا يُسارعون في الخيرات ويدعُوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ) الانبياء /89 -90 وللدعاء شروط وآداب منها حضور القلب في الدعاء والاخلاص لله ولا يسأل الا الله وحده ون يبدأبحمد الله ، والثناء عليه ، ثم بالصلاة والسلام علي النبي اللهم صلي عليه وسلم
ويختم بذلك والوضوء قبل الدعاء ان تيسر ورفع اليدين و الاعتراف بالذنب والاستغفار منه و رد المظالم مع التوبة و استقبال القبلة و الدعاء ثلاثا و ان يكون المطعم والملبس من حلال والدعاء بالخير ، ولا يدعو باثم او قطيعة رحم ، ولا يدعو علي الاهل والمال والولد والنفس ويبدأ بنفسه ، لقوله تعالي ( ربنا اغفر لنا ولاخواننا ) سورة الحشر وخفض الصوت بالدعاء مع التضرع والخشوع والرغبة والرهبة و العزم في المسألة ، واليقين في الاجابة والالحاح في الدعاء وعدم الاستعجال ولا يقول دعوت فلا يستجب لي ، ولا يقول استجب لي ان شئت تحري الاوقات الفاضلة مثل ساعة الجمعة ، وبين الاذان والاقامة ، ودبر الصلوات المكتوبات ،وفي السجود ، وقبل الفجر بساعة ، واثناء الصيام وفي يوم عرفه ، وعند نزول الغيث و تحري الاماكن المباركة ، عند الشرب من ماء زمزم ، وعند الكعبة وفي السفر والتوسل باسماء الله الحسني وصفاته العلي ، أو بعمل صالح قام به الداعي نفسه وختاما وفي سياق تحدث القرآن عن آيات الصيام جاءت لفتة عجيبة تخاطب أعماق النفس ، وتلامس شغاف القلب ، وتسرِّي عن الصائم ما يجده من مشقة ، وتجعله يتطلع إلى العوض الكامل والجزاء المعجل ، هذا العوض وذلك الجزاء الذي يجده في القرب من المولى جل وعلا ، والتلذذ بمناجاته ، والوعد بإجابة دعائه وتضرعه ، حين ختم الله آيات فرضية الصيام بقوله سبحانه : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ( البقرة 186) فهذه الآية تسكب في نفس الصائم أعظم معاني الرضا والقرب ، والثقة واليقين ، ليعيش معها في جنبات هذا الملاذ الأمين والركن الركين .
كما أنها تدل دلالة واضحة على ارتباط عبادة الصوم بعبادة الدعاء ، وتبين أن من أعظم الأوقات التي يُرجى فيها الإجابة والقبول شهر رمضان المبارك الذي هو شهر الدعاء .وقد جاءت النصوص الشرعية مبينة عظم شأن الدعاء وفضله ، فالدعاء هو العبادة ، وهو أكرم شيء على الله ، ومن أعظم أسباب دفع البلاء قبل نزوله ، ورفعه بعد نزوله ، كما أنه سبب لانشراح الصدر وتفريج الهم وزوال الغم ، وهو مفزع المظلومين وملجأ المستضعفين ، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء