رسالة إلى زوجي الحبيب
يا بهجة حياتي، وفرحة دنياي زوجي الغالي
أسمح لي أن أبعث إليك بهذه الرسالة مع إنني أفضل النقاش الهادف المثمر المباشر على الكتابة. النقاشات الهادفة تعني أنني استمع مباشرة إلى صوتك الذي يسحرني ويطربني ويغريني، وأرى وجهك بكل قسماته الجميلة، واكتسب من فكرك الراقي فكرا يزيدني إشعاعا وقوة ومتعة، وينمي عندي ملكة الحوارات الجميلة مثل التي كانت تزغرد في حياتي أثناء أيام الخطوبة، ويصحح بعض المفاهيم الخاطئة التي قد أكون تلبست بها، ويجعلني أحس بنبضات قلبك الحنون، ويدفعني إلى الشعور بك كسند استقوي به على ضعفي.
سأكون في هذه الرسالة، يا زوجي الغالي، صريحة وواضحة معك، لعلي أكون قد بادرت أولا لفهم ما يجري في حياتنا. هذه الحياة التي اشعر بان الفتور قد بدأ يتسلل إليها، والفرحة تكاد تأفل منها، والحياة الجميلة الممتعة التي عشناها قصيرا بعد الزواج أخذت الستارة تنسدل على فصولها، ووجهك الساحر الجميل الذي يغرد عند قدومك من العمل قد مسحته سحنة من الجمود والوجوم.
ملاحظاتي يا حياتي هي كالتالي:
...كنت اسمع صوتك يناديني بالكلمات الرقيقة عند قدومك إلى البيت من العمل، واليوم صام هذا الصوت العاشق عن الكلام.
...كنت تسألني عند كل وجبة: أين لذيذ الطعام من طبخ يديك الكريمتين، واليوم لا اسمع بهذه الثناء والمديح. كلما ازددت تفننا في طبخي، ازددت أنت تمنعا.
...أثناء الخطوبة وبعد فترة الزواج القصيرة، كنت تحول نقاط ضعفي إلى قوة، وأخطائي الكبيرة إلى أغنية حلوة. فجأة تغير كل شيء. أصبحت تفتعل الانتقادات افتعالا، وتكبر أخطائي الصغيرة تكبيرا.
...كنت صندوق إسرارك...أعرف صغيرها وكبيرها...وكنت احتفظ بها في أعماق قلبي..وفي بؤبؤ عيني...لكن الآن أصبح الصندوق خاليا بعد إن هجرته إسرارك، فما الذي طرأ حتى تغيرت وتبدلت. كنت أمينة ثم أصبحت فجأة منبوذة.
...كنا نتناقش في كل صغيرة وكبيرة، نبني قصور الأحلام والآمال معا لسعادة أبدية، وجنة سرمدية، ثم جاء تيار عاصف لا اعرف مصدره، فهدم ودمر وعبث وخرب حياتنا.
...كنت إذا ذهبت إلى زيارة أهلك، تجلسً قليلا عندهم ثم تعود إلى حضن زوجتك الدفيء، وإذا أخذتني إلى بيت أهلي، تمسك بيدي وتقول: أنا في انتظارك. لا تطيلٍ الجلوس.
...بالأمس تقضي كل أوقاتك في البيت، تسامرني بلذيذ الكلام، وتقول لي إنك تكره أن تتركني لوحدي، واليوم لا أجدك في البيت، تعيش هائما مع أصحابك.
... الساعات القليلة التي تقضيها في المنزل تشاهد فيها التلفاز، أما هذه الوردة الجميلة التي كنت أنت تتغنى بها أصبحت الآن كما مهملا، لا تسمع صوتك، ولا تأنس بوجودك.
... عند بداية زواجنا، بين فترة وأخرى، تهديني باقة ورد، أو قنينة عطر، أو تأخذني إلى فندق نقضي فيه ليلة لوحدنا، أو تعطيني مبلغا من المال لأشتري به ما يخصني. اليوم، كل هذه الأمور أصبحت ذكريات من التاريخ.
....في بداية حياتنا، كنتً في حياتك نهرا متدفقا بالشهد والورد، كنت تشرب منه، وتتغذى منه ما لذ وطاب من اللذة والمتعة والفرحة والرغبة الجامحة في المعاشرة، واليوم انطفأ القنديل، فلا رغبة، ولا كلمة حلوة، ولا دغدغة، ولا سهرة على ضوء شمعة.
لماذا تسرب الملل إلى حياتنا؟ لماذا لم اعد شريكتك التي قررت يوما أن تختارها من دون النساء؟ هل قصرت في حقك؟ هل أخطأت في معاملتك كزوج له كل التقدير والاحترام والمحبة؟ هل رأيتني يوما غير زهرة عطرة، ووردة جميلة، وخميلة كريمة، وحقل ممتع، وبستان ممرع، ونهر كريم من انهار الجنة، وحورية طاهرة، ونجمة تتلألأ، وعش تزغرد فيه الكلمات الرقيقة والمعاني الرفيعة؟ هذه الزوجة التي هي زوجتك تعرف يقينا أن من حق الرجل أن يحصل على مساحة من الحرية، لكن هذه المساحة طالت وبارت، ولم اعد أطيقها. أريدك كما كنت أيام خطوبتنا وفي بداية زواجنا، قمري الذي أكتب فيه من الغزل شعرا، وأهيم في محادثته سحرا، واشعر في وجوده بالملاك الذي سرني وسحرني وملأ دنياي بالأحلام السامية، والقصص الجميلة الراقية. أنت قمري، فعد إلى عشك، ودعنا نتحاور ونتحادث ونتناقش كما كنا وكما يجب أن نكون، لعلي أعرف سبب كل ما جرى في حياتنا، وتغير في مسيرة مركبنا. عد إلى عشك قبل أن يغرق المركب، فأنت وحدك ربان سفينتي، والساكن في حياتي، فقلبي وطن لك وحدك، فلا تجعل هذا الوطن يهوي ويموت.
زوجتك المتفانية في حبك
قبلاتي.
رازقي (الشنفري)