بِسْـمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيـمِ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
الإخلاص وإحضار النية
في جميع الأعمال والأقوال والأحوال البارزة والخفية
الدليل من القرآن الكريم :
قَالَ اللَّه تعالى : {وما أمروا إلا ليعبدوا اللَّه مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} (البينة 5)
وقَالَ تعالى : {لن ينال اللَّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى مِنْكم} (الحج 37)
وقَالَ تعالى : {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه اللَّه}(آل عمران 29)
الدليل من السنة :
عن أمـيـر المؤمنـين أبي حـفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عـليه وسلم يـقـول : ( إنـما الأعـمـال بالنيات، وإنـمـا لكـل امـرئ ما نـوى، فمن كـانت هجرته إلى الله ورسولـه، فهجرتـه إلى الله ورسـوله، ومن كانت هجرته لـدنيا يصـيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ).
رواه إمام المحدثين: أبـو عـبـد الله محمد بن إسماعـيل ابن إبراهيم بن المغيرة بن بـَرْدِزْبَه البخاري، وأبو الحسـيـن مسلم ابن الحجاج بن مـسلم القـشـيري الـنيسـابـوري في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة.
مسائل :
المسألة الأولى : النيّة في اللغة : هي القصد والإرادة ، فيتبيّن من ذلك أن النيّة من أعمال القلوب ، فلا يُشرع النطق بها
المسألة الثانية : ارتباط الأعمال بالنية، الأعمال من حيث حكمها ثلاثة أقسام :
· القسم الأول : الأعمال الواجبة.
الأعمال الواجبة يلزم استحضار النية لها .
· القسم الثاني : الأعمال المتروكة.
كل عمل متروك لا يلزم استحضار النية وإنما النية العامة له للترك هي اللازمة.
هل نية الترك هذه يثاب عليها مثل نية الفعل ؟
الترك عبادة فإذا نوى ترك هذه الأشياء لله يثاب على ذلك .
· القسم الثالث : الأعمال المباحة .
هنا ثلاثة أقسام:
O القسم الأول: الأعمال المباحة قد يثاب على فعلها إذا نواها لله .
ولذلك ابن عباس رضي الله عنهما يقول : أحتسب على الله نومتي، كما أحتسب على الله قومتي.
ودليل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( وفى بضع أحدكم صدقة )، قالوا : يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال ( نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام ألا يكون عليه وزر؟ ) قالوا : بلي، قال ( فكذلك إذا وضعها في حلال) .
O القسم الثاني: قد لا يثاب ولا يأثم فهي مباحة و ذلك إذا لم يستحضر النية.
O القسم الثالث : أنه قد يأثم إذا كان الفعل المباح يصد عن واجب كالنوم عن صلاة الفجر و هو ينوي ذلك.
المسألة الثالثة : للنية فائدتان:
أولاً: تمييز العبادات عن بعضها، وذلك كتمييز الصدقة عن قضاء الدين، وصيام النافلة عن صيام الفريضة
ثانياً : تمييز العبادات عن العادات ، فمثلاً : قد يغتسل الرجل ويقصد به غسل الجنابة ، فيكون هذا الغسل عبادةً يُثاب عليها العبد ، أما إذا اغتسل وأراد به التبرد من الحرّ ، فهنا يكون الغسل عادة ، فلا يُثاب عليه
المسألة الرابعة : وجوب الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال ؛ لأنه أخبر أنه لا يخلُصُ للعبد من عمله إلا ما نوى
يقول النبي صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى ذلك : ( من كانت الدنيا همّه ، فرّق الله عليه أمره ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له ، ومن كانت الآخرة نيّته ، جمع الله له أمره ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ) رواه ابن ماجة .
سادسا : من عظيم أمر النيّة أنه قد يبلغ العبد منازل الأبرار ، ويكتب له ثواب أعمال عظيمة لم يعملها ، وذلك بالنيّة ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما رجع من غزوة تبوك : ( إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيراً ، ولا قطعتم وادياً ، إلا كانوا معكم ، قالوا يا رسول الله : وهم بالمدينة ؟ قال : وهم بالمدينة ، حبسهم العذر )
رواه البخاري .
المسألة الخامسة : الحذر من النية الفاسدة:
- يقول الله سبحانه وتعالى :﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[هود:15-16].
حديث الثلاثة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم ( أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، رجل قرأ القرآن ليقال قارئ، ورجل تصدق ليقال جواد، ورجل جاهد في سبيل الله ليقال شجاع )، ويوم القيامة يسألهم الله سبحانه وتعالى ماذا عملت يا فلان؟ قال: قرأت القرآن فيك وأقرأته، أو تعلمت العلم وعلمته، فيقال قرأت القرآن ليقال قارئ، وتعلمت العلم ليقال عالم، فقد قيل، ثم يسحب فيرمى في النار، والثاني يقال ما ذا عملت يا فلان، قال تصدقت، فيقال له تصدقت ليقال جواد فقد قيل ثم يرمى به في النار، والثالث: جاهد في سبيل الله ولكنه جاهد؛ ليقال شجاع فقد قيل، ثم يسحب فيرمى في النار.
المسألة السادسة : التداخل في النية:
هنا تفصيل لأهل العلم :
· إذا كانت النية في أصلها صحيحة ودخلت نية فاسدة أخرى فإن عمله يبقى صحيحا ولكنه يأثم وينقص من أجر عمله.
· أما إذا كان إنشاء العمل من أجل فلان، أو غلب عليه أنه من أجل فلان، أو من أجل شيء معين فهذا باطل، لأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل أن يشرك معه أحد غيره سبحانه وتعالى في أي عمل من الأعمال.
المسألة السابعة : مواطن التلفظ بالنية :
النية محلها القلب، لا يُتلفظ بها إلا في هذه المواضع:
· الموضع الأول كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحج عند الميقات، بعد الإحرام وركوب السيارة أو إذا كان في الطائرة عندما يحاذي الميقات، يقول: اللهم إني نويت العمرة، أو إني نويت الحج فيسره لي وتقبله مني، وإن لم يتلفظ فهو الأصل.
· الموضع الثاني: النسك عند الذبح، بأن يقول عند ذبح الهدي اللهم باسم الله هذا منك وإليك، اللهم إنها عن فلان، عني وعن أهل بيتي كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأضحية.
أما في غير هذين الموضعين لا يتلفظ بهما، ولذلك قال أهل العلم: إن التلفظ بالنية في كل عمل بدعة.
منقولا