حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ عَنْ زِيَادٍ الطَّائِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَزَهِدْنَا فِي الدُّنْيَا وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ فَآنَسْنَا أَهَالِينَا وَشَمَمْنَا أَوْلَادَنَا أَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي كُنْتُمْ عَلَى حَالِكُمْ ذَلِكَ لَزَارَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ كَيْ يُذْنِبُوا فَيَغْفِرَ لَهُمْ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ قَالَ مِنْ الْمَاءِ قُلْنَا الْجَنَّةُ مَا بِنَاؤُهَا قَالَ لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ لَا يَمُوتُ لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ الْقَوِيِّ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ أَبِي مُدِلَّةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سنن الترمذي
قوله : ( عن زياد الطائي )
مجهول أرسل عن أبي هريرة من السادسة , كذا في التقريب .
قوله : ( وزهدنا )
قال في القاموس زهد فيه كمنع وسمع وكرم زهدا وزهادة أو هي في الدنيا الزهد في الدين ضد رغب انتهى
( فأنسنا أهالينا )
قال في القاموس الأنس بالضم وبالتحريك , والأنسة محركة ضد الوحشة , وقد أنس به مثلثة النون انتهى . والمعنى خالطناهم وعالجنا أمورهم واشتغلنا بمصالحهم
( أنكرنا أنفسنا )
أي لم نجدها على ما كانت عندك
( لو أنكم تكونون إذا خرجتم من عندي كنتم على حالكم ذلك لزارتكم الملائكة في بيوتكم )
. كذا في نسخ الترمذي بزيادة لفظ كنتم بين من عندي وعلى حالكم ولا يستقيم معناه فتفكر . وروى مسلم في صحيحه عن حنظلة بن الربيع الأسيدي نحو هذا الحديث وفيه لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طريقكم
( ولو لم تذنبوا لجاء الله بخلق جديد )
من جنسكم أو من غيركم . وفي رواية مسلم : لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون
( كي يذنبوا )
أي فيستغفروا
( فيغفر لهم )
لاقتضاء صفة الغفار والغفور ذلك . قال الطيبي : ليس الحديث تسلية للمنهمكين في الذنوب كما يتوهمه أهل الغرة بالله , فإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب , بل بيان لعفو الله تعالى وتجاوزه عن المذنبين ليرغبوا في التوبة . والمعنى المراد من الحديث هو أن الله كما أحب أن يعطي المحسنين أحب أن يتجاوز عن المسيئين وقد دل على ذلك غير واحد من أسمائه الغفار الحليم التواب العفو , ولم يكن ليجعل العباد شأنا واحدا كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب بل يخلق فيهم من يكون بطبعه ميالا إلى الهوى متلبسا بما يقتضيه ثم يكلفه التوقي عنه ويحذره من مداناته ويعرفه التوبة بعد الابتلاء , فإن وفى فأجره على الله , وإن أخطأ الطريق فالتوبة بين يديه , فأراد النبي صلى الله عليه وسلم به أنكم لو كنتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة لجاء الله بقوم يتأتى منهم الذنب فيتجلى عليهم بتلك الصفات على مقتضى الحكمة , فإن الغفار يستدعي مغفورا كما أن الرزاق يستدعي مرزوقا ) كذا في المرقاة ( مم خلق الخلق قال : من الماء ) قيل أي من النطفة , والظاهر أن يكون اقتباسا من قوله تعالى : { وجعلنا من الماء كل شيء حي } أي وخلقنا من الماء كل حيوان لقوله سبحانه { والله خلق كل دابة من ماء } وذلك لأن الماء أعظم موارده أو لفرط احتياجه إليه وانتفاعه بعينه
( قلت الجنة ما بناؤها )
أي هل من حجر ومدر أو خشب أو شعر
( قال : لبنة من فضة ولبنة من ذهب )
أي بناؤها مرصع منهما
( وملاطها )
بكسر الميم أي ما بين اللبنتين موضع النورة في النهاية الملاط الطين الذي يجعل بين سافي البناء يملط به الحائط أي يخلط
( المسك الأذفر )
أي الشديد الريح
( وحصباؤها )
أي حصباؤها الصغار التي في الأنهار قاله القاري . وقال صاحب أشعة اللمعات أي حصباؤها التي في الأنهار وغيرها . قلت : الظاهر هو العموم
( اللؤلؤ والياقوت )
أي مثلها في اللون والصفاء
( وتربتها )
أي مكان ترابها
( الزعفران )
أي الناعم الأصفر الطيب الريح فجمع بين ألوان الزينة وهي البياض والحمرة والصفرة ويتكمل بالأشجار الملونة بالخضرة . ولما كان السواد يغم الفؤاد خص بأهل النار
( من يدخلها ينعم لا يبأس )
بفتح وسطهما في القاموس البأس العذاب والشدة في الحرب بؤس ككرم بأسا وبئس كسمع اشتدت حاجته
( يخلد )
أي يدوم فلا يتحول عنها
( لا يموت )
أي لا يفنى بل دائما يبقى
( ولا تبلى )
بفتح أوله من باب سمع يسمع أي لا تخلق ولا تتقطع
( ثيابهم )
وكذا أثاثهم
( ولا يفنى شبابهم )
أي لا يهرمون ولا يخرفون ولا يغيرهم مضي الزمان قال القاضي : معناه أن الجنة دار الثبات والقرار وأن التغير لا يتطرق إليها فلا يشوب نعيمها بؤس ولا يعتريه فساد ولا تغيير , فإنها ليست دار الأضداد ومحل الكون والفساد
( ثلاث )
أي ثلاث نفوس في المشكاة والجامع الصغير ثلاثة بتاء التأنيث , ثلاثة أشخاص أو ثلاثة رجال
( الإمام العادل )
أي منهم أو أحدهم الإمام العادل
( والصائم حين يفطر )
لأنه بعد عبادة , حال تضرع ومسكنة
( ودعوة المظلوم )
كان مقتضى الظاهر أن يقول والمظلوم , ولعله لما كانت المظلومية ليست بذاتها مطلوبة ; عدل عنه , قاله القاري . وقال الطيبي : أي دعوة الإمام ودعوة الصائم بدليل قوله ودعوة المظلوم ويكون بدلا من دعوتهم , وقوله يرفعها حال كذا قيل والأولى أن يكون أي يرفعها خبرا لقوله ودعوة المظلوم , وقطع هذا القسيم عن أخويه لشدة الاعتناء بشأن دعوة المظلوم , ولو فاجرا أو كافرا . وينصر هذا الوجه عطف قوله ويقول الرب على قوله ويفتح , فإنه لا يلائم الوجه الأول لأن ضمير يرفعها للدعوة حينئذ لا لدعوة المظلوم كما في الوجه الأول . قال القاري : والظاهر أن الضمير على الوجهين لدعوة المظلوم وإنما بولغ في حقها لأنه لما لحقته نار الظلم واحترقت أحشاؤه خرج منه الدعاء بالتضرع والانكسار وحصل له حالة الاضطرار فيقل دعاؤه كما قال تعالى : { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء }
( يرفعها )
أي الله
( فوق الغمام )
أي تجاوز الغمام , أي السحاب
( ويفتح )
أي الله
( لها )
أي لدعوته
( لأنصرنك )
بفتح الكاف أي أيها المظلوم وبكسرها أي أيتها الدعوة
( ولو بعد حين )
الحين يستعمل لمطلق الوقت ولستة أشهر ولأربعين سنة . والمعنى : لا أضيع حقك ولا أرد دعاءك ولو مضى زمان طويل لأني حليم لا أعجل عقوبة العباد لعلهم يرجعون عن الظلم والذنوب إلى إرضاء الخصوم والتوبة , وفيه إيماء إلى أنه تعالى يمهل الظالم ولا يهمله .
قوله : ( هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي , وليس هو عندي بمتصل )
لأن في سنده زيادا الطائي وهو مجهول , ومع هذا رواه عن أبي هريرة مرسلا .
اعلم أن حديث أبي هريرة هذا مشتمل على أربعة أحاديث : فالأول من قوله : ما لنا إذا كنا عندك إلى قوله لزارتكم الملائكة في بيوتكم , وهذا أخرجه أحمد . والثاني من قوله : ولو لم تذنبوا إلى قوله فيغفر لهم . وهذا أخرجه مسلم . والثالث من قوله : قلت يا رسول الله مم خلق الخلق إلى قوله ولا يفنى شبابهم , وهذا أخرجه أحمد والدارمي والبزار والطبراني في الأوسط , وابن حبان في صحيحه . والرابع من قوله ثلاث لا ترد دعوتهم إلخ , وهذا أخرجه أحمد وابن ماجه وأخرجه الترمذي أيضا في الدعوات والمفهوم من كلام المنذري في صفة الجنة من كتاب الترغيب أن هذا الحديث بطوله عند أحمد والبزار والطبراني وابن حبان .
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي