رِسَالةٌ إِلَى أُمِّي...
بسم الله الرحمن الرحيم
أمِّي الحبيبة ...
... ...واللهِ ما أدْري من أين أبدأُ وماذا أقولُ ...فقلمي مضطربٌ كأشدِّ مايكون الإضطرابُ ...و قلبي مفعمٌ بالحبِّ والودِّ والإخلاصِ والرحمة والعطف لكِ ...على الرغم من تصرفاتي السَّمجة تُجَاهَكِ...فأنا معترفٌ أنَّ الخطأَ والزَّللَ والنسيانَ هم الغالبون على من خلقَهُ اللهُ من عجلٍ ...نعمْ من عجلٍ ...أخطأتُ في حقِّك ونسيتُ قولَ المصطفى صلى الله عليه وسلم أنَّكِ أحقُّ النَّاسِ بحسن صحابتي ... ضيَّعتُ آكدَ الحقوقِ ...وقاربتُ الفتنةَ... فتنة العقوق ...برُّ الوالدين عليَّ دين ...وأنا هاملٌ له بالصَّد وطولِ البين ...أبتغي الجنةَ بزعمي وهي مقرونةٌ برضا أمي بعد توحيدِ اللهِ جلَّ في عُلاه ... مشاعرُ الحبِّ والعطفِ والحنانِ تعلوا وجهَك الكريم ...سَهِرْتِ لأنامَ ...وجعتِ لأشبعَ ...و إن أصابني مرضٌ أو آفة ...فلا تسأل عن عظيم ما تكابده وتعانيه ...من هم وحزن وغم وأسف وما الله به عليم ...فكم عاملتُك يا أمي بسوء الخلق والأخلاق ...لسانُ حالي يقول ما رأيتُ منكِ خيرًا قط ...أمَّا أنتِ ...أنتِ يا أمي ...فقد دعوتِ اللهَ عز وجل في السرِّ والعلن ألا يؤاخذني بما فعلتُ من سفه ونزقٍ وسفسطةٍ ...
فوا أسفاَ ألاَّ أُكبَّ مُقَبِّلاً لرأسكِ والصَّدْرِ الَّذَيْ مُلِئاَ حزمَا ...
والدتي العزيزة ...
كأنَّ الشاعرَ -المتنبي- عناني بأبياته الشَّهيرة ...
وما قتلَ الاحرَارَ كالعفوِ عنهم ومن لكَ بالحرِّ الذي يحَـفظُ اليدا
إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ وإن أنتَ أكرمتَ اللّـئيم تمـردا
فلا كثَّر اللهُ في المسلمين من أمثالي ... نعم من أمثالي....
أمِّي ...
ها أنا قد نيَّفْتُ على الثلاثين ...
وأصبحتُ أعي معنى بر الوالدين ...
عندما أصبحتُ أبًا لأبي قتادة وأمِّ الفضل حفظهما الله بحفظه ...
وهذا هو مربطُ الفرس وبيتُ القصيد في هذه الرسالة ...
لا يعرفُ الرَّجلُ قيمةَ والِدَيـْهِ حقَّ المعرفةِ حتى يصبِحَ أبًا ولا تعرفُ المرأةُُ وزنَ والِدَيْها حتى تُصبحَ أُمًّا ...
هذا إذا كان هذا الرَّجل وتلك المرأة يسمعون أو يعقلون ...وإلا فهم كالأنعام... بل هم أضل ...
سامحيني... أمِّي ...
عُذْراً ...والدتي ...
أنا المذنبُ الخطَّاء والعفو واسع ولو لمْ يكنْ ذنبٌ لما وقعَ العفو
وأحسن منه قول الله سبحانه ...
{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً }الإسراء25
قال في تفسير الجلالين ...
(ربكم أعلم بما في نفوسكم) من إضمارِ البرِّ والعقوقِ (إن تكونوا صالحين) طائعين لله (فإنه كان للأوابين) الرجَّاعين إلى طاعته (غفورا) لما صدرَ منهم في حقِّ الوالدين من بادرةٍ وهمْ لا يُضمرون عقوقـًا ...