جرت بنا العادة ان نتكلم دائما عن حقوق الأباء على الأبناء
ولكن اليوم نتكلم على حقوق الأبناء على الأباء
للأبناء في هذه الحياة حقوق على الآباء، فالطفل تتشكل في نفسه أول صور
الحياة متأثرا ببيئة والديه لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
(ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)
فالوالدان لهما أثر كبير في دين وخلق الأبناء، لذا فإن صلاح الآباء يتوقف
عليه مصلحة الآباء والأبناء معا ومستقبل الأمة، وكما أسلفنا فالأب والأم
مسئولان أمام الله عز وجل عن تربية الأولاد
(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)
وباعتبار أن المرء حين يولد يكون عاجزاً عن تدبير شئون حياته ويحتاج في
صغره إلى الرعاية والأخذ بيده والعبور به إلى بر الأمان وفي تعليمه علما
يستبين به سبل الحياة ومعرفة طرق الكسب الحلال، لذا فإن حقوق الأبناء
تعتبر في نظر الشرع حقاً مكتسباً للأبناء يلتزم به الآباء ديانة أو قضاء،
لأنه ليس كل الآباء من يقوم بواجباته تجاه أبنائه بمجرد الحنان وعاطفة
الأبوة.
وتتمثل حقوق الأبناء قبل الولادة في اختيار الأم الصالحة وسؤال الله
الذرية الطيبة وحقهم في الحياة فيحرم على الأم إسقاط الجنين قبل ولادته
لأنه أمانة أودعها الله في رحمها، ولهذا الجنين حق في الحياة فلا يجوز
الإضرار به أو إيذائه، ويعتبر من قتل النفس إذا مضت له أربعة أشهر ونفخت
فيه الروح وهذا حكم شرعي لله عز وجل لا يجوز التساهل فيه.
ومن حقوقهم بعد الولادة تسميتهم بأحسن الأسماء والأذان والعقيقة والرضاعة
والحضانة، وختان الولد دون البنت، وحق النسب بأن ينسب الطفل إلى أبيه،
ومن أهم الحقوق القدوة الحسنة فحسن سلوك الأبوين أمام الأولاد أفضل تربية
لهم وكذلك الحنان والرحمة وتعويد الأبناء على الحلم والتثبت وعدم العجلة
والتسامح. وكذلك العدل والتسوية بين الأبناء حتى في البشاشة والترحيب
لظاهر الأمر بالعدل لكي ينشأ الأبناء أصحاء في بيئة سليمة،
وأعظم حقوقهم إطلاقا تعليمهم عقيدة التوحيد وتنشئتهم على الدين الإسلامي
الصحيح حتى يتربوا على الخير وعلى ترك الشر منذ الصغر، والمحافظة عليهم من
الانحرافات الأخلاقية والفكرية.
والنفقة حق واجب على الآباء للأبناء إلى سن البلوغ للذكر، والأنثى حتى تتزوج ويجب أن تكون النفقة حلالاً طيباً،
قال صلى الله عليه وسلم (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في
رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها الذي
أنفقته على أهلك)،
وفي ذلك تدريب للطفل على البذل والسخاء وتشمل النفقة الحقوق المالية
للأولاد من غذاء وكساء ومسكن ومصاريف وعلاج وغيرها من ضرورات الحياة،
والأصل ان الأب هو الذي يتولى بنفسه الانفاق على الأولاد فإن قصر، يرفع
الأمر للقاضي لتقدير نفقه للأولاد، والنفقة تقدر بحسب حال الأب وقت
استحقاقها يسرا أو عسرا، على أن لا تقل عن القدر الذي يفي بحاجات الأسرة
الضرورية،
وأخيرا لا بد أن تكتمل هذه العناصر الأساسية من حضانة وتربية معتدلة حميمة
ونفقة رشيدة حتى نحافظ على حماية أبنائنا وفلذات أكبادنا من الضياع
والانحراف، كما لا ننسى دور التوجيه والنقد والمراقبة واختيار الأصدقاء
فيمن نثق بأخلاقهم وتربيتهم. وإذا كان الأصل في الزواج السكن والمودة
والرحمة والألفة بين الذكر والأنثى لتكون الأسرة هي البيئة التي تتكون
فيها قيم وأخلاقيات الطفل وتمنحه فرصة التطور والنمو الطبيعي نفسيا وجسديا
واجتماعيا،
إلا أنه أحيانا تنقضي عرى الحياة الزوجية بالانفصال وتنشأ عنه الكثير من
المآسي نتيجة بيئة أسرية مفككة، لنصحوا أمام صورة مقلوبة لأطفال تبدلو من
أزاهر الحياة وترجمان الربيع إلى حال أكثر شقاء ذبلت فيه طفولتهم البريئة
وضياع حلمهم الجميل في تسللهم من مدارسهم وتسكعهم في الشوارع والطرقات، في
جنوح إلى الأجرام، وتمرد على المجتمع وقيمه.
ونخلص إلى أنه إذا كان الأبناء هم الطرف الأضعف في العلاقة العائلية فليس
من الحق والعدل والإنسانية أن يمارس عليهم نوعا من تهميش الحقوق المادية
أو المعنوية نتيجة ضعف قدرة الآباء لأداء رسالتهم في الحياة تجاه أبنائهم
أو بسبب وقوع الانفصال بين الزوجين مما يجعل الأبناء أداة للانتقام ووسيلة
لتصفية الحسابات ونعتقد أنه يجب على الآباء في هذه الحالة مراعاة واحترام
العلاقة الزوجية وإحسان النية في أداء الأمانة بمسؤولية وتفاهم حول كيفية
تربية الأولاد بعد الطلاق لتستمر رعايتهما لأبنائهم كما لو لم ينفصلا،
وذلك باستمرار سلطة الأب على أبنائه في المتابعة والإنفاق عليهم، واستمرار
عطاء الأم وحنانها ووجودها النفسي والعاطفي، وتربيتهم التربية المتوازنة
شدة ورخاء حتى توتي هذه الثمار أكلها،
ويكفي تأثما أن يضيع الرجل من يعول.