في عرض (أنت عمري )المسرحي الراقص،نحن أمام سيرة حياة عائلة ما!حيث يتزوج احد أفرادها ويصاب بالمرض ويموت، تاركا خلفه زوجته الحامل.
في حين يهاجر احد افراد العائلة لأسباب مجهولة هذه هي قصة العرض باختصار! وبما انه عرض راقص ،فان التركيز يجري على الحركات الراقصة التي تختزل كل المواقف الإنسانية والأحداث عبر الحركات الراقصة،حيث من الضرورة بمكان الاستعاضة عن الحوار بالرقص أي ان ما يهمنا هنا بالدرجة الأولى هو ردود الفعل الداخلية،عبر الحس العالي بألم الشخصية ومعاناتها ،او فرحها،فالاختزال والتكثيف والتعبير الحركي هم ما يوضح حقيقة ما يجري في العالم الداخلي لجميع الشخصيات ،وبمعنى آخر تنشغل هذه العروض بتوصيل الحالات النفسية والتعبير عنها ،فالمهم هنا ليس الحدث بحد ذاته،بل ما يتركه من أثر نفسي على الشخصية، وعلى أجواء العرض.
لقد احتوى العرض على الإيماء والرقص والتمثيل دون غلبة أحدها على الآخر ،ولذلك ثمة صعوبة في تحديد جنسه،أو نوعه ،هذا مع تجاهل وصفه من قبل المخرج بالعرض المسرحي الراقص، ففي العرض قصة ممسرحة،في حين تعتمد العروض الفنية الراقصة على فكرة أولية يتم التعبير عنها بالرقص،دون الاهتمام من قريب أو بعيد بوجود الحكاية المتكاملة.ولكن يمكن أن نعتبره عرضا راقصا،رغم اشتماله على بعض عناصر المسرحة.
أما ما أدى إلى الخلط وبعض الخلل في عرض انت عمري أيضا ،فهو مرتبط بذلك التزاوج الذي أتى به المؤلف والمخرج خالد عبد الرحيم، عبر ربط فكرة العرض بأغنية انت عمري لأم كلثوم،ودمج الاثنتين معاً لتكوّنا مادة درامية للحركات الراقصة،وهذا ما أدى إلى خلل في المعنى، وعملية ربط الأفكار مع بعضها البعض ،إذ اختلطت الموضوعات التي أُريد للعرض طرحها ،مما أدى إلى ضياع الحكاية التي كان من الممكن الاستغناء عنها والاكتفاء بالأغنية لتكون مادة العرض الرئيسية، وهذه ليست محاولة للتقليل من جهد المخرج أو المجموعة الراقصة،بل قراءة لمحتويات العرض الذي لم تتضح هويته، وبدا غارقاً في لجة فيها الكثير من الأفكار والرؤى، ولم تنجح أية واحدة منها في الإعلان عن نفسها بوضوح ،حيث تاه العرض بين أن يحكي قصته وبين تجسيد الأحاسيس التي عبرت عنها كلمات أغنية أم كلثوم،تلك الأحاسيس التي لا تتطابق في معظمها مع الأحداث التي تعرضت لها تلك العائلة، فالأغنية تتحدث عن عاشقة مولّهة بحبيبها وتتوق لرؤيته ،فهي تتلظى في نار الشوق المشتعلة في وجدانها أبداً.بينما في عرض انت عمري تتتوج علاقة الحب التي تربط العاشقين بالزواج، وهذا ما نراه في أول مشهد،حيث فرح الاثنين بالرباط الجميل الذي ضمهما، وما يعكر صفو هذا الفرح،هو المرض الذي ألمّ بالزوج الشاب ، وأفقده الأمل في الاستمرار بالعيش،والأمل في رؤية مولوده الأول الذي هو ثمرة زواجه بحبيبته، إذاً ثمة تناقض صريح وواضح بين حال العشاق في أغنية أم كلثوم ومثيلتها في العرض.الذي يتسع مدى أحداثه ليشمل أحد أفراد العائلة الذي يقرر السفر لأسباب مادية،بالطبع حتى فكرة السفر هنا لها دلالة إذا ما تم ربطهامع معاني أغنية أم كلثوم،ولكن شوق الأحبة وبعدهم عن بعضهم شيء،وهجر الأخوة لأخوتهم وأهلهم شيء آخر.
لقد اجتهد أعضاء فرقة محور لفنون الأداء، بحركاتهم الجماعية الراقصة ،وكان تصميم الرقصات (الكريوغراف) منسجما مع إيقاع موسيقا أغنية انت عمري،أثناء تجسيده للحكاية الممسرحة،أكثر من كونه معبراً عن حدث الأغنية ،وهنا تكمن مفارقة العرض،وتيهه .أما الأمر الآخر والذي لا نراه يقل أهمية عن هذه المفارقة ،فإنه مرتبط بفقر العرض بما يخص القضايا الاجتماعية المعالجة،فعلى الرغم من أننا أمام حالات إنسانية فيها حزن وفرح.. إلا أن هذا الأمر لا يعبر عن الواقع بالشكل الأمثل،بل يحوم حول كوامن النفس البشرية دون أن يبلغ الهدف المرجو،والسبب يعود في رأينا، إلى تلك المباشرة والسطحية اللتين تناول بهما المخرج موضوعاته،وهي الحب والمرض والموت والسفر،ولكن هذه الثيمات مجتمعة لا تشكل أية قيمة رغم أهميتها،وذلك لأن العرض استسهل تناولها،وساقها لنا دون مقدمات ،معتبرا أن مجرد اشتمال أي عمل فني لموضوعات كهذه ،أمر كاف لكي يستثير أحاسيسنا وانفعالاتنا،ولكنه تجاهل رغبتنا ليس فقط بمتعة مشاهدة الرقص التعبيري ـ الذي يقبض على اللحظات الأكثر شفافية في حياتنا، ويترجمها إلى حركة تخلو من التكرار والحشوـ بل وفي معايشة تلك الآلام بطريقة نشعر معها أننا أمام أُناس عاقبتهم المصادفة دون إثم ،ولمجرد أنهم قد وجدوا في هذه الحياة.