العشر الأواخر .. فرصة للتوبة والتقرب إلى اللّه
مجلة المجتمع
ها نحن نودع شهر رمضان الكريم بأيامه ولياليه المباركة، ففي أجواء مفعمة بالإيمان والإقبال على الله صياماً وقياماً وتوبة يقضي المؤمنون العشر الأواخر من الشهر الفضيل طمعاً في رحمة الله، ومغفرته وأملاً في العتق من النار، كما أخبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في حديثه: "شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار".وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" (رواه البخاري).
إن رمضان الذي يوشك على الانتهاء هو مدرسة تربوية ربانية جامعة لكل خصال الخير تربي المسلم ليستقيم على طريق الحق والخير والإيمان، فهو شهر القرآن الذي تحيي آياته موات القلوب وتثبت المسلم على طريق الهداية وتبعده عن سبل الغواية: " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " (الإسراء: 9)، وهو شهر القيام وذكر الله وعمارة بيوت الله. وصدق الله العظيم إذ يقول: " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال 36 رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار 37 ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب 38 "(النور: 36).
وهو شهر يربي المسلم على العطاء والمسارعة إلى الخيرات والمشاركة الوجدانية الإيمانية لإخوانه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، ولا جهاد إلا بصبر ولا صبر إلا بثبات وتضحية حتى يتحقق النصر، ومن هنا فإن رمضان بحق هو شهر تربية الرجال وصناعة الأبطال، رهبان الليل وفرسان النهار، وهو لذلك يذكرنا بأنه شهر الجهاد والفتوحات والانتصارات، منذ الانتصار الأول في غزوة بدر على دولة الشرك الكبرى في مكة، مروراً بانتصاراته المباركة على الحملات المغولية والصليبية والصهيونية، وكلها انتصارات حققها المسلمون المجاهدون الصائمون في رمضان.
إن رمضان يجسد كل هذه المعاني التي تتجلى أكثر في العشر الأواخر، وسيظل رمضان على امتداد الدهر هو تلك المدرسة التربوية الربانية، التي تطهر المسلم وتشحذ همته وتصلح نفسه وتطهر قلبه.
وإن أعداء الإسلام من شياطين الإنس والجن حرصاً منهم على إفساد الشهر الكريم ومحاولة تفريغه من معانيه الجامعة لكل خصال الخير يحاولون كل عام تحويله إلى موسم للتسلية واللهو وملء البطون وإشباع الشهوات، حتى تظل الأمة على وهنها وتفرقها ليسهل احتواؤها وغزوها فكرياً، وإن أعداء الإسلام لا يتوقفون عن محاولة إغراق الإنسان في أوحال الأرض وإشباع قلبه بزخارف الدنيا لينقطع عن رسالة السماء السامية، ويبتعد عن طلب الآخرة، لكن الإسلام أبى إلا أن يحتضن البشرية ويوجهها إلى طريق الله، وإن شهر رمضان هو من أهم الوسائل لذلك، وصدق الله العظيم إذ ينادي على المسلمين صباح مساء: " ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين 50 " (الذاريات).
إننا اليوم أحوج ما نكون إلى التربية في مدرسة رمضان والاستفادة بدروسه التربوية الربانية طوال العام، لنواجه قوى الشر التي استجمعت قواها وجردت حملة ظالمة وشاملة ضد الإسلام والمسلمين تحاول تشويه الإسلام ديناً وعقيدة، وتحاول خلع المسلمين من عقيدتهم السمحة بالسعي لإلغاء التعليم الإسلامي وحرمان المسلمين من تعلم مبادئ دينهم، وبالسعي لشل العمل الخيري وتجفيف منابعه، وإن على الحكومات أن تتنبه لهذه الأخطار.
وكلمة إلى أولئك الحكام الذين ضيقوا على شعوبهم ويمارسون الظلم والعنت ويزجون بالدعاة إلى الله وبالأبرياء من شعوبهم في غياهب السجون حيث التعذيب والقتل، أن ينتهزوا الفرصة قبل أن ينتهي رمضان ليتوبوا إلى الله ويعودوا إليه بالتمسك بشرعه والعمل بكتابه ثم المصالحة مع شعوبهم حتى يكون الجميع على قلب رجل واحد.. فالاتجاه إلى طريق الرحمن يقود إلى الجنة. وإلا فالمصير معروف والشواهد أمامنا، فهذا صدام يُحاكم على ظلمه وإجرامه وقتل الأبرياء واستباحة الأعراض وذلك مصير الظالمين، والدائرة تدور عليهم، وإن الله يمهل ولا يهمل.
إن العاقل هو من يحسن استثمار الأيام المباركة في طاعة الله، والكيِّس من يستفيد من نفحات هذا الشهر المبارك وخاصة في العشر الأواخر منه، ذلك في الأحوال العادية، فكيف إذا كانت الأخطار تحيط بالأمة وليس لها من دون الله كاشفة وليس للمسلمين حيالها من سبيل سوى اللجوء إلى الله - سبحانه وتعالى - والوقوف ببابه والركون إليه وانتهاج السبيل التي خطها رسوله - صلى الله عليه وسلم - والتمسك بما جاء في كتابه الكريم?