تقول عائشة رضي الله عنها عن قصة نزول الوحي على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ( فجاءه الملك ) فقال : اقرأ .. فقال : ما أنا بقارئ. فقال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني .
فقال: اقرأ. فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني . فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني .
فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق } حتى بلغ { ما لم يعلم } .
فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة – رضي الله عنها – فقال : زملوني ، زملوني .. حتى ذهب عنه الروع .
فقال لخديجة ، وأخبرها الخبر .
لقد خشيت على نفسي .
فقالت له خديجة : كلا والله ، ما يخزيك الله أبداً. إنك لتصل الرحم , وتصدق الحديث , وتحمل الكل , وتكسب المعدوم , وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به حتى آتت ورقة بن نوفل وهو عم خديجة وكان امرأ تتصر في الجاهلية ، وكان شيخاً كبيراً قد عمي .
فقالت له خديجة : يا ابن عم ، اسمع من ابن أخيك ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟! ..
فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى .
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل على موسى ، يا ليتني فيها جذع .. ليتني أكون حياً إذا يخرجك قومك .
قال : أو مخرجي هم ؟ قال : نعم .. لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي , وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزوراً . هذا هو النص الذي اعتمدناه للاستفادة منه في موقف دعم الزوجة لزوجها في المواقف الصعبة من حياته ، فتعينه على النجاح والتفوق في أعماله وأهدافه وتحقيق طموحاته في الحياة .
ولو دققنا في موقف الزوجة العظيمة خديجة رضي الله عنها لوجدنا أنه يتلخص في بعدين :
الأول : الدعم الذاتي الذي قامت به عندما بشرت النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بما وجده ، ثم مدحته بجميل أفعاله وصفاته الخيرية , لتطمئنه من روعه .
الثاني : الدعم الجماعي والذي قامت به عندما اقترحت عليه استشارة مختص في مثل هذه الحالات النفسية ليسمع من غيرها الدعم كذلك ، فيزداد يقيناً بأن ما لاقاه هو الحق . وأن ما قامت به خديجة – رضي الله عنها – هو ما استخلصته أحدث نظريات علم النفس.
أ-تذكير بالإنجازات إن موقف خديجة - رضي الله عنها – والكلمات التي اختارتها هي سبب زوال الروع عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ما نحتاجه من كل زوجة اليوم يأتيها زوجها ليشكو إليها من المواقف التي تواجهه في حياته العملية أو الدعوية ، فتضمه بحنانها ، فتذكره بنقاط قوته وتاريخه الملئ بالمواقف المشرقة ، فيتذكر معها هذه الإنجازات وتسكن نفسه عند سماعها .
هذا ما فعلته خديجة - رضي الله عنها – وقد أعجبني كثيرا تعليق بنت الشاطئ على هذا الموقف إذا تقول :{ هل كان لزوج عداها أن تستقبل دعوته التاريخية من غار حراء بمثل ما استقبلته هى به من حنان مستثار ، وعطف فياض وإيمان راسخ ، دون أن يساورها في صدقه أدنى ريب ، أو يتخلى عنها يقينها في أن الله عزوجل غير مخزية أبداً ؟ ولنقف وقفة تحليلية مع الكلمات الذهبية والتي نطقت بها خديجة وكانت أول كلمات يسمعها النبي صلى الله عليه وسلم بعد كلام الله .
قالت كلا .
وهذه أول كلمة قالتها بثقة وبصوت قوي بعدما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ( قد خشيت على نفسي ) وكان بإمكانها أن تخفف عنه بأسلوب آخر كأن تقول له :
الاحتمال الأول : لماذا خشيت على نفسك ؟! لنصبر ونتأكد من الخبر ..
الاحتمال الثاني : لعله خيال تخيلته أو حلم رأيته . الاحتمال الثالث: هل كان معك أحد سمع معك هذا الكلام لنتأكد منه . الاحتمال الرابع : .................................
. الاحتمال الخامس : .................................
إن هناك احتمالات كثيرة وكلمات أكثر ولكنها رجحت كلمة { كلا } لتؤكد له وبثقة عظيمة أن ما جاءه هو الحق ،
ثم اتبعت هذه الكلمة بكلمة :أبشـر : وفي هذه الكلمة من المعاني ما يفيد يقينها بما جاء به وأنها البشارة من الله تعالى له ..
ومن كان هذا تاريخه وسيرته الذاتية فحتماً يكون ما شاهده ليس بخرافة أو خيال ، ثم بدأت تفصل هذه الإنجازات الإنسانية والخيرية بقولها : إنك لتصل الأرحام : ( تقرب البعيد وتدني القاصي ، وتغسل الأحقاد ) . وتصدق الحديث .
وتحمل الكل : ( تحمل ديون الضعيف وهمومه ، ومساعدته وإعانته فتنعش روحه وتحيا نفسه ) .
وتكسب المعدوم : ( تمنح الفقير من جودك وإيثارك ، فأنت الكريم ) . وتقري الضعيف . وتعين على نوائب الحق .
وهذا هو الدرس الذي تستفيد ه كل زوجة وزوج مع مطلع الألفية الثالثة ليعملا على فهمه بينهما، فيدعم كل طرف منهما الآخر في طريق النجاح في الحياة الدنيوية والآخرة .
ب- صنائع المعروف تقي مصارع السوء إن بعد النظر عند الزوجة الوفية وسعة الأفق التي تملكها خديجة – رضي الله عنها – هي التي جعلتها تنطق بأن صنائع المعروف التي كان يقوم بها النبي صلي الله عليه وسلم تجعله آمنا مطمئناً ،
ولهذا أستقر قلب النبي لحديثها وهو يفكر في صنائع المعروف الذي قدمه للآخرين طوال الأربعين سنة الماضية .
ونحب هنا أن
نذكر قصة واقعية حدثت لكاتب المصري المعروف ( مصطفى أمين )
وكان من ممن دخلوا السجن في زمن جمال عبد الناصر عام 1965م قال يروي قصته : كان منة بين وسائل التعذيب التي لجئوا إليها أن أصدروا قراراً بمنعي من الأكل والشرب ، والحرمان من الأكل مؤلم ولكنه محتمل ، ولكن العطش عذاب لا يحتمل وبخاصة في أشهر الصيف والحرارة الشديدة ، وأنا مريض بالسكر ، ومرضى السكر يشربون الماء بكثرة ،وفي اليوم الاول تحايلت مع الأمر دخلت دورة المياه فوجدت فيها إناء للاستنجاء وشربت من مياه الاستنجاء
وفي اليوم التالي فوجئت بأنهم عرفوا إنني شربت من مياه الاستنجاء فوجدت الإناء خالياً ، ووجدت بدل الإناء ورق تواليت ومع شدة العطش اضطررت أن اشرب ماء البول حتى ارتويت وفي اليوم التالي لم أجد بولاً أشربه !
واشتد بي العطش , وأحسست بعذاب شديد مثل ضرب السياط , وكنت أسير في زنزانتي كالمجنون لساني جف وحلقي جف وشعرت أنني قد أشرفت على الهلاك , وأنا أترنح رأيت باب الزنزانة يفتح في هدوء ورأيت يداً تمتد في ظلام الزنزانة تحمل كوب ماء بارد مثلج ,
ففزعت وتصورت أنني جننت , بدأت أرى شبحاً .. ومددت يدي ولمست الكوب فوجدته بارداً مثلجاً فعلاً وقبضت على الكوب بأصابعي المرتعشة ورأيت حامل الكوب يضع إصبعه على فمه وكأنه يقول لي : لا تتكلم .
ومرت أيام التعذيب من دون أن أرى الحارس المجهول ثم نقلت من غرفة التعذيب إلى الدور السفلي وكانوا يغيرون الحارس كل يوم وذات يوم رأيت أمامي الحارس المجهول
وكنا على انفراد وقلت له : لماذا فعلت ما فعلت ؟! لو ضبطوك كانوا سيفصلونك .
قال باسماً : يفصلوني فقط !! دول كانوا يقتلوني رمياً بالرصاص .
قلت : ما الذي جعلك تقوم بهذه المغامرة ؟!
قال : إنني أعرفك وأنت لا تعرفني .. منذ تسع سنوات تقريباً أرسل فلاح من الجيزة خطابا لك يقول فيه ، إنه فلاح في إحدى القرى وإن أمنية حياته أن يشتري بقرة حتى باع حلي زوجته واشترى بالمبلغ بقرة وبعد ستة شهور فقط ماتت البقرة ، وفي ليلة القدر بعد ذلك بشهور دق باب البيت الذي يملكه الفلاح ودخلت محررة من جريدتك ( أخبار اليوم )
تجر ورآها بقرة وكانت( أخبار اليوم ) قد اعتادت أن تحقق أحلام مئات من قرائها في ليلة القدر من كل عام .
وسكت الحارس لحظة المجهول ثم قال : هذا الفلاح الذي أرسلتم له بقرة هو أبي ،
ألم أقل لك إن عناية الله كانت معك في الزنزانة . إن هذا العمل الخيري الذي عمله مصطفى أمين منذ سنوات حفظه الله له وجزاه بعد ذلك
وهذا ما كانت خديجة - رضي الله عنها – تؤكد لزوجها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم . ولعل هذا إشارة إلى تعاون الزوجين دائما على صنائع المعروف إذا أرادا مستقبلاً آمناً لهما ولأبنائهم ، فيلتزما بأعمال الخير والبر والتقوى .
ج- 10سنوات من الدعم المتواصل إن خديجة - رضي الله عنها – وقفت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بداية نزول الوحي ودعمته بنفسها وأهلها ، ثم استمرت بدعمها لزوجها طوال السنوات العشر في تبليغ الدعوة وكان من مواقفها في دعم زوجها أنها :
1.أول من آمن بدعوته ومنهجه الذي بدأ ينشره .
2.أول من أسلم معه وأول من تعلم الوضوء والصلاة .
3.سخرت مالها لخدمة الدعوة ونشرها وجعلته تحت تصرف زوجها .
4.بدأت بنشر الدعوة بين النساء.
5.سخرت علاقاتها لحماية زوجها ، فقد كانت صاحبة نفوذ .
6.صبرها على هجرة ابنتها رقية إلى الحبشة مع عثمان بن عفان .
7.صبرت مع المسلمين في شعب أبي طالب ثلاث سنين وهى الغنية المترفة من أجل دعوة زوجها ،
وقد أنهكها الحصار فتوفيت بعده مباشرة .
{ إن الحياة الزوجية إن خلت من المودة والرحمة أصبحت كالجسد الميت، إن لم يدفن فاح عفنه ونتنه } .
فالأصل في العلاقة الزوجية الحب والمودة والرحمة , ثم بعد ذلك نرى مثل هذه الأخلاق الراقية في دعم كلا الطرفين لبعضهما البعض
ولو دققنا في الحياة , لرأينا كما من المواقف الزوجية التي كانت سر نجاحهم في الحياة وتحقيق آمالهم ، بما قدمت زوجاتهم من تضحيات مادية ومعنوية ..
فلا ينبغي للزوجين أن يلغي أحدهما الآخر أو ينكر الفضل الذي قدمه له ، ولهذا حفظ النبي محمد صلى الله عليه وسلم فضل زوجته خديجة وتضحياتها حتى بعد وفاتها
ونتبن ذلك من موقفه منها عندما غارت منها السيدة عائشة – رضي الله عنها - في حديث أخرجه الإمام أحمد بعدما أثنى النبي على خديجة - رضي الله عنها – قالت عائشة : ما أكثر ما تذكرها .. حمراء الشدقين .
قد أبدلك الله خير منها .
فقال : ( ما أبدلني الله خير منها )
•قد آمنت بي إذ كفر بي الناس .
•وصدقتني إذ كذبني الناس .
•وواستني بمالها إذ حرمني الناس .
•ورزقني الأولاد منها . وفي هذه اللحظات لا ينسى الزوج مواقف دعم زوجته له لإنجاح مساعيه وأهدافه في الحياة , حتى إنه كان عليه الصلاة والسلام لم يكن يسأم من الثناء عليها بعد وفاتها والاستغفار لها – رضي الله عنها – { من كتاب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم